Skip to content

الثانوية العامة بين الحداثة والنمطية

الثانوية العامة بين الحداثة والنمطية

الثانوية العامة بين الحداثة والنمطية

بينما ينهي طلاب الثانوية العامة الامتحانات الحكومية وينتظرون بفارغ الصبر الدرجات التي حصلوا فإنهم يعانون من ضغوط نفسية هائلة بسبب تحديد مستقبلهم الاكاديمي. فمنذ الصغر وهم يسمعون من أهلهم أهمية هذه العلامات, نتائج الطلاب إما سترفعهم في المركز الاجتماعي والمهني كناجحين أو فاشلين لم يحققوا النجاح المطلوب. هذه المسؤولية تقع على طلاب وطالبات في سن المراهقة وهم منشغلون في ألعاب الفيديو ووسائل التواصل ومتابعة المسلسلات والأفلام ولا يدركون مسالك المستقبل والتعليم الجامعي فيعيشون في ضغط نفسي كبير دون فهم لماذا نتائج الطلاب في الثانوية العامة هي التي تحدد من ستكون.

الجامعات العربية بدورها تعتمد بشكل أساسي على معدل الثانوية العامة فمن حقق علامات متقدمة سيكون طبيب أو مهندس ومن تخلف سيكون في كلية الآداب أو التجارة وكأنها كليات للأقل حظا وذكاء. هذا التميز ,في نتائج الطلاب ,غير المباشر هو الذي يبني المجتمعات وطبقة الناجح والمتوسط والفاشل بشكل غير عادل وغير منطقي أحيانا. فالذي فشل وسقط في الامتحانات هو الفاشل الذي سيكون عامل بناء أو سائق سيارة اجرة والناجح هو الطبيب والمهندس وكل ذلك يتحقق في بضعة أشهر قبيل وخلال تقديم امتحانات الثانوية العامة. وهنا تكمن الخطورة الحقيقة في هذا التميز غير العادل.

نتائج الطلاب ليس معيار النجاح

كم من الأمثلة لطلاب فشلوا في الثانوية العامة ونجحوا في الحياة بل كم من الأطباء الذين فشلوا في الثانوية العامة ودرسوا في الخارج ليكونوا من أمهر الأطباء. كم من رجال الاعمال الذين لم يلبوا طموحات ذويهم وهم صغار ولكنهم نجحوا في جمع الملايين والأمثلة كثيرة. نتائج الطلاب في الثانوية العامة ليست معيار الذكاء بل معيار القدرة على الحفظ وفهم المنهج التدريسي الذي وضعه من هم قبلهم من الطلاب الذين هم الان مدرسون في وزارة التربية والتعليم.

كم من الأموال دفعتها العائلات لدروس الخصوصية فقط لتحقيق انجاز في نتائج الطلاب ولكن بعدها سيكون على الطالب والطالبة خوض التعليم الجامعي وهنا ستتشكل الفوارق الحقيقة والواقعية. ليكون المعيار في الذكاء والانجاز بعد الجامعة في الثلاثينات والاربعينات من العمر بعيدا عن ضغط الثانوية العامة. عدد كبير من مشاهير المال والاعمال لم يستكملوا التحصيل الجامعي أو كانت علاماتهم متدنية ومثلهم عدد من العلماء الذين لم يكونوا من طبقة الشاطرين في المدرسة إلا انهم حصلوا على جوائز نوبل.

من الذي يحدد الذكي والناجح ؟

في العالم العربي الثانوية العامة هي معيار النجاح والذكاء وفي دول أخرى يستخدمون طرقا أخرى في الامتحانات التي تعتمد على التحليل والأبحاث أو طريقة السات SAT الامريكية المختلفة تماما. ففي الولايات المتحدة ليس مهما نتائج الطلاب بقدر الاستمرار في الجامعة بمعدل متقدم وثابت فسهل أن تدخل الجامعة ولكن المهم الاستمرار في عبور الامتحانات.

بعض الدول أسقطت امتحان الثانوية العامة واستبدلته بطريقة أقل ضغطا لدخول الجامعات يعتمد على درجات المدرسة وامتحان قبول في الجامعة. ولكن السؤال لماذا أصلا تم اعتماد الثانوية العامة ؟

الإجابة البسيطة هو لان عدد مقاعد الجامعات في الدول هو أقل بكثير من عدد خريجي المدارس فالقضية هي تنافسية على المقعد. فلو كل من تخرج من المدرسة دخل الجامعة فلن تكفي المقاعد الجامعية لذلك تم ابتكار هذا الامتحان التنافسي لتطبيق نظرية الترقي أي من يجتاز العقبة له جائزة ومن فشل إما يعيد أو يتنحى.

الحداثة لا تتوافق مع نهج الثانوية العامة

في عصر السوق المفتوح فعدد كبير من الجامعات العربية لافتقارها للموارد المالية خلقت ما يسمى بالتعليم الموازي أو المدفوع الثمن بمعنى أن الطالب ذا المعدل المتوسط يمكنه دراسة ما يريد مقابل أن يدفع أضعاف القسط الذي يدفعه الطالب العادي. أي أن الأغنياء فرصهم أعلى لدراسة ما يريدون دون الاكتراث بمعدل الثانوية العامة.

هنا نشأت فكرة أنه لا عدالة في التعليم طالما الغني يدرس والفقير حظه أقل لكن الجامعات تدافع عن نفسها بالقول أنها بحاجة للمال وهذه طريقة تضمن ديمومة التمويل. بالتوازي العائلة متوسطة الحال التي تريد لبنتها أو ابنها دراسة الطب لكن درجاتهم ليست عالية يتكبدون مشقة كبيرة واحيانا قروض فوق طاقتهم لتحقيق هذه الرغبة.

التطور التكنولوجي تجاوز الثانوية العامة

نتائج الطلاب في المدرسة قد تكون كافية الان للانضمام للجامعات خاصة تلك التي تعتمد التعليم عبر الانترنت مثل جامعة University of the people الامريكية التي تُدرس عبر الانترنت دون أقساط جامعية انما فقط رسوم تقييم الامتحانات. تماما كمعظم الجامعات الامريكية التي تهتم بامتحان SAT  ونتائج الطلاب في المدرسة.

هذه الطريقة تفتح المجال لتعليم الجامعي بشكل أوسع وأكثر عدالة فالمهم المضي قدما في التعليم واجتياز الامتحانات الشهرية أكثر من ادخال الطلاب في مفترق الطرق الأصعب في تاريخ حياتهم وهو امتحان الثانوية العامة وانتظار رحمة نتائج الطلاب في اخر السنة.

وبدل أن يختار موظف حكومي أن الطالب لا يصلح لتعليم الجامعي فطالب نفسه بعد عدة فصول هو سيأخذ القرار إذا ما سيستمر أو يتنحى. بعيدا عن الضغوط الاجتماعية وانتظار ليلة الإعلان عن النتائج وسماع التبريكات للناجحين والعويل للفاشلين في مشهد درامي يصيب الشارع العربي سنويا منذ عقود.

في عصر التكنولوجيا المرء هو يتعلم لوحده ويقرأ ويدرس حتى دون الذهاب للجامعة. المعيار ليس نتائج الطلاب فأرباب العمل لا يريدون شهادات مزخرفة بل نتائج مهنية وطبعا ذلك لا ينسحب على كل التخصصات لكن الفكرة ان التعليم ليس محددا فقط بمن نجح في الثانوية العامة و نتائج الطلاب ليست التقييم السليم حسب كل الباحثين في التربية الذين يرون أن نتائج الطلاب غير عادلة ولكنها أداة لتقنيين التنافس على المقاعد الجامعية المحصورة بالعدد وأيضا لدفع الشباب نحو التعليم المهني والوظائف الدنيا كي يكون هناك طبيب وممرض وعامل نظافة.

 التصنيف هذا مهم وجيد لكن الأداة هي الغير عادلة كما يقول الطلاب عموما فالامتحان إما معقد أو صعب أو الطالب مر بظروف صعبة في الأشهر الأخيرة أو المعلم كان غير موفق في التدريس. فلماذا الطالب يدفع طوال عمره ثمن ظروف لاشهر معدودة مر بها واعتبار الثانوية العامة معيار الناجح والفاشل بشكل مطلق.