Skip to content

الرياضيات أم العلوم ودونها لما وصل الانسان للقمر وما نجح في لعبة الشطرنج

الرياضيات أم العلوم ودونها لما وصل الانسان للقمر وما نجح في لعبة الشطرنج

كنا في المدرسة نجلس وندرس جدول الضرب وكان من أكثر الدروس ارهاقا وقيل لنا أنه مفيد. كان معنا ألة حاسبة ولم نفهم حينها لماذا نحفظ الجدول وعلينا أن لا نخطأ بأي رقم.

كبرنا وفي المرحلة الثانوية درسنا الجيب والجتا والتفاضل والتكامل. حينها وصل بعض الزملاء منا لمرحلة الكراهية للرياضيات ولهذا فضلوا دراسة المواد الأدبية وزملاء اخرين أحبوا الأرقام بشكل هستيري وباتوا يتحدثون بالرموز الرقمية.

الأكثرية في الصف كانوا يدرسون فقط دون أي مشاعر حب أو كراهية للرياضيات. الجميع كانوا يرون أن علم الرياضات هو فارغ من أي مشاعر وما هو إلا رموز قد لا تحمل أي معاني تفيدنا في الحياة إلا جدول الضرب عندما نذهب لسوق. ومعظمنا كان عنده السؤال الأصعب، بماذا سينفعنا التفاضل والتكامل و س+ص وكل هذه الحاجيات.

نشوء علم الرياضيات

على الاغلب بذور هذا العلم بدأ مع بذور القمح الأولى عندما انتقل الانسان من الصيد وجمع الثمار في البرية إلى الزراعة وكوّن أولى التكتلات السكانية.

حينها كان بحاجة لان يَعد البذور والدواب والمحصول لتوزيع حصص الطعام لسكان. العد كان باليد عشرة وأحيانا بأصابع اليد والاقدام أي عشرين وأحيانا أصابع اليد ثم الذراعين أي اثني عشرة مرة.

طبعا هذا ليس رياضيات بل مجرد حساب وعد، حتى بزغت حضارتين في مصر الفرعونية والعراق البابلية ومن ثم الاشورية. هنا ظهرت الهندسة بشكل مدهش سواء في البناء او الزراعة او الفلك او الهندسة تعتمد كلها بشكل أساسي على الرياضيات.

العديد من العلماء يقولون إن الرياضيات قفزت بشكل سريع من حسابات المزارعين لقياس مواقع الكواكب وتقلبات المواسم ومن ثم البناء العملاق في اهرامات مصر.

المرحلة الثانية كانت في اليونان وهنا كتبت النظريات والقواعد الأساسية للرياضيات وفي مرحلة لاحقة شكلت الإسكندرية في مصر وكانت آنذاك تحت التأثير اليوناني جامعة الرياضيات في العالم.

ومع مرور الوقت انتقل العلم للعرب والمسلمين وظهور الخوارزمي وعلم الخوارزميات الذي تعتمد عليه الان جوجل وفيسبوك وعلم الجبر الذي بات من اساسيات علم الفلك واطلاق الصواريخ للفضاء.

المرحلة الأخيرة كانت في أوروبا مع تطور النظريات وتحولت تمارين الرياضيات في المدارس كجزء من المنهج الدراسي حول العالم لما تحمله من أهمية في التحصيل العلمي.

حتى الجامعات تفرض عدد من مساقات الرياضيات والجبر والاحصاء كجزء من متطلبات إدارة الاعمال في جامعة university of the people  بالعربي والتي بدورها تعتمد على الدور الهام للرياضيات بما يخدم الطالب.

دور الرياضيات في العلوم الحديثة

لا يوجد علم من العلوم البحثية إلا ويستند على الرياضيات فحتى الطبيب عليه ان يكون لديه دراية والامر ينسحب على علوم الفلك والهندسة علما ان علم الاقتصاد ما هو إلا تفرع طبيعي لعلم الرياضات والذي تفرع منه الإحصاء. الفيزياء التي باتت من العلوم الأساسية التي تفرع منها علوم الاتصالات ونقل المعلومات والانترنت وغيرها كلها تستند في نهاية المطاف على أصول رياضية دونها ما كان لهذه العلوم أن تتطور.

الرياضيات تعتمد على القياس والكم والعدد والنظريات والفرضيات وهي نفسها الأساسيات التي منها تنبثق العلوم المصرفية مثل البيع والشراء ولغاية سوق الأسهم ودراسة السوق والاستثمار.

كل ذلك في إطار أن الرياضيات كعلم يبدو مجرد لكنه لربما عبارة عن الهيكل العظمي الذي عليه اللحم والعضلات والشرايين للعلوم الأخرى.

الرياضيات لغة العالم والعوالم

العديد من أفلام الخيال العلمي والتي تناولت لقاء بين البشر ومخلوقات خارجية كانت اللغة المحكية غير ممكنة لان المخلوقات الخارجية لا تتحدث اللغة الإنجليزية أو العربية. لهذا لجأ كّتاب الخيال العلمي للغة مشتركة وهي الرياضيات. هذه الفكرة بحد ذاتها مبهرة،

في تلك الأفلام كان سهلا الحديث عن مسافات الافلاك وقياسات المدارات ضمن لغة رياضية واحدة فالقواسم المشتركة بين العوالم هي الرياضيات حتى لو ان شكل الأرقام متغير حتى بين حضارات الأرض بين الأرقام الرومانية والهندية والعربية والبابلية ومن ثم الان بين العربية والانجليزية ومعها طبعا الرموز الرياضية إلا أن المبدأ واحد.

في النهاية هذه أفلام تعبر عن نهج ومنطق في أهمية الرياضيات كلغة وليس كعلم جامد. اللافت أيضا ان العديد من العلوم مختلفة في المنهجية البحثية وفي طريقة عرضها ودراستها فمثلا هناك نظريات في الطب البشري في روسيا تختلف عن الولايات المتحدة وهناك طرق هندسية متبعة في بريطانيا تختلف عن الصين.

أي كل إقليم أو قارة له خصوصية في كيفية تبني العلوم وتطبيقها. الاستثناء الوحيد هو الرياضيات التي تتفق عليها كافة الجامعات في العالم بغض النظر عن مكانها الجغرافي. لربما ببساطة لان هذا العلم مجرد وغير قابل لتحريف أو التجميل أو التبديل أو التعديل كبناء عمارة أو كيفية شق الصدر في غرفة العمليات الذي بدوره يتأثر بالجامعة التي تعلم فيها الطبيب.

كمية الاسمنت في الصين ستختلف عن تلك التي في دبي بسبب الاختلاف في التربة وتركيب الصخور وطبعا البعد المالي لتكاليف البناء. الثابت هو الأصول الرياضية لتوصل إلى المعادلات.

الألة الحاسبة عدوة الرياضيين

الرياضيون هم علماء وباحثون في علوم الرياضيات وهم الأقل استخداما للألة الحاسبة أو على الأقل هكذا يريدون للعالم ان يظن.

أولئك يرون ان الرياضيات هي طريقة تفكير وليس فقط أرقام مجردة. الالة الحاسبة تعيق التفكير وتجعله معتمدا على الالة أي ينسلخ الدماغ من الابداع لتقليد. الالة الحاسبة ليست جديدة فكان هناك العديد من المحاولات لاختراع الالة الحاسبة في العصور الغابرة والهدف كان دائما تقليص مدة اجراء المعادلات الرياضية.

تمارين الرياضيات بالنسبة للرياضيين هي مهمة جدا لفتح افاق الاذهان وتدريب الدماغ على اجراء المعادلات الحسابية بسرعة الامر الذي سينعكس على أداء الدماغ في تطبيق النظريات الأخرى.

هنا يبرز عامل مهم وهو قدرة الانسان على الابتكار طالما كان ذكيا في الرياضيات والامثلة كثيرة خاصة في جيل الثمانينات الذي كان ذاك الجيل نواة أولى لكبرى شركات العالم كمايكروسوفت وابل وأي بي أم وغيرها من شركات الكمبيوتر.

فعلم الحاسوب بدأ بصفر وواحد ثم تطور لعالم عريض وواسع من الاختراعات لكنه في النهاية المجردة يعود لاصله في صفر وواحد.

صعب ان تجد مبرمج بكفاءة جيدة لا يتقن الرياضيات والسبب بسيط لان هذا العلم هو الهيكل العظمي لكل التكنولوجيا الحديثة. فبناء قواعد البيانات والبرامج وتوصيل المعلومات وتوثيقها كله بحاجة لدراية بعلم الرياضيات.

وصعب أن نجد كارها لرياضيات مبدعا في البرمجة والكاره هنا ليس للدراسة في المساقات الجامعية إنما كاره لهذا العلم التجريدي تماما كما كان بعض الطلاب في المدرسة يكرهون التفاضل والتكامل لذلك باتوا محاميين أو ادباء او رسامين لان ابداعهم غير مرتبط بالرياضيات نفسها انما في مجالات أخرى لا تقل أهمية لتطور البشري من العلوم البحثية الأخرى.

لعله صعب أن تقنع طالب في المدرسة بأهمية هذا العلم الممل شكلا وأن تقنعه أنه لولا س+ص لما وصل الانسان للقمر أو اخترع الهاتف الخليوي. ولكن لو جرب أن يلعب الشطرنج ونجح فيها واستمتع لعله سيقتنع أنه لا يلعب على طاولة أو رقعة بل يلعب في عالم الرياضيات الفسيح دون ان يدري فهو يحارب خصمه لكنه يدير معركة رياضيات من نوع خاص.